أبديتـــك
إن حياتك كلها علي الأرض ، لا تساوي طرفة عين إذا ما قورنت بالأبدية التي لا نهاية لها ... و حياتك علي الأرض ما هي إلا إعداد أو تمهيد لتلك الأبدية ، حياة الخلود ...
ربما تمسك بكرامة أرضية ، يضيع عليك كل الكرامة التي ينالها القديسون في المجد الأبدي ... و مع ذلك فأنت ما تزال تتمسك بهذه الكرامة الأرضية . و تضحي في سبيلها بأبديتك . و كأنك لا تعي !! و ربما تمسك ببعض الملاذ الأرضية الوقتية أو الزائلة ، يفقدك كل النعيم الأبدي و سعادة الخلود ...
عليك إذن أن تقتنع بأهمية الأبدية ، و تضعها باستمرار أمام عينيك . و يصبح كل شيء رخيصاً إلي جوارها . ما أجمل قول القديس بولس الرسول لأهل كورنثوس : " غير ناظرين إلي الأشياء التي تري ، بل إلي التي لا تري . لأن التي تري وقتية ، أما التي لا تري فأبدية " ( 2كو 4 : 18 ) .
حقاً ، في هذه النظرة ، يتجلي الفارق الأساسي بين الإنسان الحكيم و الإنسان الجاهل . الجاهل نظرته قصيرة لا تتعدي المرئيات و الحياة الأرضية . أما الحكيم فينظر إلي بعيد ، إلي ما بعد الموت ... و يظل يفكر : ماذا سيكون مصيري بعد أن أخلع هذا الجسد ؟ أين سأذهب ؟ و ماذا سأكون ؟
وأنت أيها الأخ ، بماذا أنت مشغول ؟ ...
و أين وضعت قلبك ؟ هنا أم هناك ؟ ...
لأنه حيث يكون قلبك ، يكون كنزك ايضاً ...
إن الحكماء يشعرون أنهم غرباء علي الأرض ، و لا يركزون آمالهم في الأرض ، بل " ينتظرون المدينة التي لها أساسات ، التي صانعها و بارئها الله " (عب 11 ) .
و الذي يهتم بأبديته ، يرتفع فوق مستوي الأرض و الأرضيات . و لا يستهويه شيء مما في هذا العالم .
العالم كله خلفه ، و ليس أمامه ...
من كتاب كلمة منفعة لقداسة البابا شنودة الثالث