كانت إحدى السيدات توزِّع نبذاً على المسافرين في احدى البواخر فأعطت النبذة الى شخص بين من اعطتهم وبعد وصولها الى المؤخرة لاحظت أثناء عودتها ان الشخص قد مزَّق النبذة الى قصاصات ورمى بها الى البحر فتألمت كثيراً ولكنها لم تقل له إلا هذه الكلمات البسيطة " ستُعطي حساباً عن هذا".
على أن الرجل لم يفكر في هذا الأمر فقد طرح النبذة في الماء ونسي كل ما يتعلَّق بها . ولكن الله الحي لم ينسى النبذة ولا نسي من مزَّقها فقد سمح بعنايته ان ترد الريح قصاصة صغيرة منها الى حضن ذلك الرجل دون ان يشعر بها . وفي تلك الليلة حين خلع ثيابه ليأوي الى فراشه سقطت تلك القصاصة من بين ملابسه ، فالتقطها وكانت صغيرة جداً ولكنها كانت كافية لأن تسع كلمتين على أعظم جانب من الأهمية والخطورة وهما : " الله والأبدية" ومع هاتين الكلمتين عادت الى ذاكرة الرجل العبارة التي قالتها له السيدة "ستُعطي حساباً على هذا".
والآن استعرضت أمام ذهن ذلك الشخص ثلاث حقائق خطيرة : (الله) - (الأبدية) - (الدينونة) - يا لها من كلمات مرعبة للنفس ! ذهب للنوم لكن لم يأتيه النعاس في تلك الليلة بطولها فبات يتقلَّب في فراشه الى الصباح ، والكلمات " الله ، والأبدية ، وستُعطي حساباً عن هذا" يرن صداها في أذنيه لتصل إلى أعماق قلبه .
قام من الفراش وقصد ان يُغرق مشغوليته وانزعاجه في كأس من الخمر ولكنه لم يستطع ، لأنه بعد ان أفاق من السكر شعر بشدَّة تلك الكلمات : الله ، الأبدية ، الدينونة ، .
ما أعجب طرق الله ! ومن يجرؤ على الشك في ان يد الله كانت تُحرّك الريح التي حملت تلك القصاصة الصغيرة الى حضن الرجل ؟ فما أمجد اسم الرب ! انه يعرف كيف يصل الى النفس . ومتى ابتدأ بالعمل لا تستطيع أي قوة ان تقف في سبيله او ان تحوِّل الرسالة الذي تصوِّبها نعمته الى القلب لتخطئ مرماها. قد ظنَّ الرجل ان يتخلَّص من النبذة ولكن الله صمَّم على ان يُرسل الى حضنه الجزء الذي فيه الرسالة المقصود توصيلها له .
بعد ذلك حاول الرجل ان يتخلَّص من العوامل التي خالجت نفسه ولكن شقاءه واضطرابه زدا ولم يكن هناك من علاج لجرحه إلا بلسان الإنجيل الشافي وفضائل دم المسيح الذي يُطهّر من كل خطية . سمع صوت الإنجيل فهدأت ثائرة نفسه المضطربة اذ وجدت راحتها في عمل المسيح الذي أكمل على الصليب